مرة واحنا مسافرين بالميكروباص شوفنا ناس ملمومة على جنب الطريق على حادثة ، وقف الميكروباص ونزلنا نشوف .. لقينا عربية واقعة في الترعة وركابها فيها .. وكان فيه راجلين في الترعة بيحاولوا يطلعوا الناس من العربية بصعوبة من الشباك .. اللي ضايقني في الموقف ده إن احنا كنا واقفين بتاع تلاتين واحد عالشط ومفيش غير راجلين بس اللي بيعافروا ويطلعوا الركاب .. وكان الناحية التانية من الترعة فيه شوية ستات عمالين يشتموا فينا عشان ننزل ننقذ الناس .. يا رجالة حد يساعدهم .. يا رجالة الناس هتموت يا كفرة ..
خلص الموقف .. قعدت أفكر ليه أنا منزلتش أنقذ الناس .. لقيت إن أنا برضه بفكر بنفس طريقة موضوع هي جت عليا السابق .. وإن أنا هدومي هتتبل وهتأخر عالكورس ..
وجه على طول المثل ده في دماغي يموت حبيبي ولا استهواش .. نظرية ضرر صغير عليا مقابل منفعة عظيمة لغيري .
طبعا منطقياً إن أي حد مستعد يجيله برد أو أي ضرر بسيط في سبيل إنه ينقذ واحد من الموت مثلا .. ده منطقياً .. بس واقعياً للأسف مش كده .
نسمع كثيرا أن قطرة دم تساوي حياة انسان .. وده حقيقي فعلا .. بس كام واحد مننا لما بيلاقي عربية تبرع في الشارع بيروح يتبرع .. ومعلش هيتأخر عشر دقايق عن معاده .
في حملات المقاطعة كلنا نعرف إن كل جنيه يساوي رصاصة في جسم أخويا المسلم .. بس معلش والله أنا عطشان دلوقتي وبحب أشرب بيبسي .. ومعلش مش قادر أستغنى عن ايريال .. ومقدرش آكل مع أصحابي غير عند كنتاكي .
لو قابلت واحد فقير في الشارع أو واحدة شايلة ابنها بتشحت بيه هل هتديهم ولا لأ ؟ .. مع إنك عارف إنهم مهما كانوا بيستعبطوا فهم بالتأكيد محتاجين الجنيه ده أكتر منك بكتر عشان ياكلوا أو يجيبوا علاج .. مش هيروحوا يجيبوا بيه شيبسي أو يلعبوا بلاي ستيشن .
فيلم Blood Diamond يصوّر مأساة دول إفريقية كاملة .. وحروب تشتعل ودماء تراق .. وأطفال وعبيد .. في سبيل الحصول على الماس لتصديره لأوروبا .. ثم يطرح في النهاية تساؤل .. هل أنت مستعد أن تستغني عن الخاتم أو السلسلة في سبيل أن تُحقن دماء الملايين من البشر ؟
طبعا لا .. فكيف تكتمل فرحتنا من دون الخاتم والغويشة .. وكيف تمشي النساء من دون الماس وهو من ضروريات الحياة .
في أوروبا والدول الصناعية الكبرى يلقون الفائض من الأغذية والمنتجات الصناعية في البحر لمجرد أن توزيعه سيؤدي إلى انخفاض الأسعار .. دون النظر إلى المجاعات في الكثير من دول العالم .
في راوند الأطفال عندنا في المستشفى .. فيه طفل عنده عيب خِلقي في الأمعاء مبيعرفش يمتص الأكل .. ومحتاج عملية تغيير أمعاء مبتتعملش في مصر .. الأب والأم فقرا وبالتالي الولد هيموت .. رغم إن احنا ممكن ننقذ الولد ده لو أنا وعشرة زمايلي اتبرعنا بموبايلاتنا مثلا .
أنا آسف يا حبيبي .. فلتمت ألف مرة .. المهم أنا هدومي ماتتبلّش ، وأشرب بيبسي ، وألبس خاتم ، وألعب بالموبايل ... ولا أستهواش .