المهمّة المستحيلة
(( عا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ))
انطلقت هذه الصيحة العبيطة المميزة لرياضة الكاراتيه قبل أن تتحرك قدما رجل آسيوي الملامح لتضربا وجه وصدر رجل وسيم ممشوق القوام , إلا أن هذا الأخير استقبلها في بساطة عاقداً ساعديه ثم دار على عقبيه وأمسك الرجل من كاحليه وهوى به أرضاً , ثم قام من فوقه ونفص ملابسه وساعد الرجل الآسيوي على النهوض .
في هذه اللحظة ظهر صوت تصفيق بطيء , فاستدار الرجل الوسيـم الذي لم يكن سـوى بطلنا - أدهم صبري – ليجد المقدم حازم واقفاً بجوار باب الحجرة فاستقبله محيياً
– إزيك يا واد يا حازم , إيه يا عم اللي رماك علينا ؟! يا ترى شغل ولا عايز تتدرّب وتاخدلك ضربتين على دماغك ؟!
لم يضحك المقدم حازم لهذه الدعابة وبدا متجهماً وقال :
– لأ شغل يا أدهم ، المدير عايزك ضروري ، وشكلها كده مهمة من مهمات رجل المستحيل.
وما هي إلا دقائق حتى كان أدهم يدلف إلى حجرة مدير المخدرات , فحيّاه هذا الأخير وقدّم إليه الرجل الجالس أمامه الذي لم يكن سوى أدون ميلوسوفيتش – الرجل الثاني في المخدرات الروسية – فحيّاه أدهم في احترام ، وقال له بالروسية اللتي يتقنها كالعادة :
– وما دخل المخدرات الروسية بنا يا سيدي ؟!
فأجابه الرجل ( بالروسية أيضاّ ) :
– روسيا يابني بتتعرّض لخطر داهم يهدد أمنها واستقرارها وسلامتها ومفيش حد يقدر يواجه الخطر ده غيرك .
– احم , طب وأنا مالي سيادتك , ماتولع ولا تتحرق بجاز .
– يا رفيق أدهم أنا جايلك بعرض مش ممكن ترفضه عشان بلدك – مصر –
خفق قلب أدهم وسكت قليلاً عند سماع الكلمة وترددت في ذهنه عدة مرات متبوعة بالنشيد الوطني ومصر هي أمي وجميع الأغاني الوطنية قبل أن يغمزه الرجل حتى يستيقظ ويكمل حديثه .
– بص يا أدهم , احنا هاندّيكوا جميع الملفات ال...
لم يكمل حيث قاطعه مدير المخدرات فاغراً فاه في ذكاء :
– أدهم , أدهم , انتوا بتقولوا ايه من ساعتها ؟!
أطلق أدهم سبّة بذيئة في سرّه إعجاباً بذكاء مديره قبل أن يقول :
– يا فندم الله يكرمك , ثواني وهافهّمك .
ثم وجّه حديثه إلى أدون ميلوسوفيتش قائلاً :
– معلش يا باشا , هو المدير بتاعنا دايماً كده فاضح نفسه في كل حتة , كنت بتقول ايه بأه ؟!
– كنت بقول هندّيكوا جميع ملفات تعاون مخدراتنا مع الموساد ، قولت ايه ؟!
رقص قلب أدهم فرحاً وقال :
– إشطة يابا إشطة ....... ( إلى آخر أغنية " إشطة يابا " لنجم الشباب " مصطفى كامل " )
– جميل , مدام كده بأه هاقولّك تفاصيل المهمة والمعلومات اللي هاتحتاجها .
وشرع يحكي ..
٭ ٭ ٭
انطلقت طائرة ( مصر للطيران ) متوجهة إلى موسكو وفي داخلها وجّه رجل عجيب الملامح ويرتدي منظاراً طبياً حديثه إلى زميلته قائلاً :
– بصّي يا منى , المهمّة اللي احنا رايحينها دي مهمّة خطيرة وهيتوقّف عليها مصير العالم كلّه , فيه منظّمة إرهابية عايزة تعمل تفجيرات كبيرة في روسيا ويلزقوها في العرب , وآدي صورة زعيمها الإرهابي الدولي ( دافيد زيلمان ) .
قالها وهو يُري الصورة لمنى خفية , فشهقت منى في جزع وقالت :
– يا نهار أسود , منظمة إرهابية ؟! ودي احنا هانواجهها إزاي دي يا أدهم ؟!
– مش عارف , بس المعلومات بتقول إن التفجير هايبقى في مكان في الضواحي اللي حوالين موسكو .
ثم ساد الصمت حتى ارتفع صوت المذياع الداخلي للطائرة معلناً وصـول الطائرة إلى مطار ( موسكو ) ..
وبدأت المهمّة ..
٭ ٭ ٭
ابتسم أدهم في سماجة أمام مكتب الجوازات , قبل أن يطالعه وجه ضابط الجوازات طالباً جواز السفر والتأشيرة وسأله عن سبب الزيارة .
وما أن أخبره أدهم أن اسمه هو ( أمجد صبحي ) حتى تهلل وجه الرجل وصاح :
– ياه , أنا مش مصدّق عينيّا , راجل شكله عجيب واسمه بيبدأ بالألف والصاد . يبقى انت أدهم صبري المصري أسطورة المخدرات .
– أيوة يا عم , بس وطّي صوتك أنا هنا في مهمّة سرّيّة .
– طب ممكن صورة منك ؟! أصل ابني ( حمادوف ) بيموت فيك .
ولم ينقذه من هذا الموقف سوى منى اللتي تدخلت في الحوار قائلةً :
– معلش يا باشا مرة تانية , أصل أدهم مابيشيلش صور معاه عشان السرّيّة .
وهنا لمح أدهم الرائد نادر من رجال مكتبنا في ( موسكو ) , فأسرع إليه مع منى , واستقلّوا السيّارة متوجهين إلى أحد المنازل الآمنة حيث راجع الخطة في ذهنه للمرة العاشرة , وطلب من الرائد نادر خريطة ( موسكو ) وضواحيها اللتي يحفظها عن ظهر قلب كالعادة .
أحضر الرائد نادر الخريطة , فدرسها أدهم بتأنّي ومن ثمّ استقر على مكانين محتملين لتفجير القنبلة ؛ أحدهما شمال ( موسكو ) والآخر جنوبها .
بعد ذلك استعار أدهم سيّـارة نادر وانطلق بها ثم أعطى الخريطة لمنى كي تدرسها وسألها :
– يا منى , فيه مكانين محتملين ؛ واحد شمال ( موسكو ) والتاني جنوبها . في رأيك ايه هو المكان الأنسب لتفجير القنبلة ؟!
ردّت منى بثقة :
– اللي في شمال ( موسكو ) طبعاً .
واتجهت السيّارة جنوباً ..
٭ ٭ ٭
أوقف أدهم السيّارة بعيداً عن وكر الإرهابيين , وترجّل مع منى حتى وجدا مكاناً مناسباً للاختباء بالقرب من الوكر .. وظل أدهم يراقب مستخدماً منظاراً للرؤية الليلية حتى يتعرف على الطريقة المثلى للهجوم على الوكر , ولاحظ أن إمكانيّة الهجوم عن طريق السطح مستحيلة حيث أن السطح مسلّح بعدد من لاقطات الحركة وخيوط الليزر والأسلاك الشائكة .. كما أن النوافذ موصدة بإحكام بالحديد والزجاج المضاد للرصاص .. أما الباب الرئيسي فلم يجد أمامه سوى حارس عجوز قارَب الثمانين , لذا فقد استنتج بسرعة بديهة مدهشة لا تتوافر إلا في رجل مثل أدهم صبري أنه سيدخل الوكر عن طريق الباب رغم وجود هذا الحارس المخيف .. فأخبر منى بذلك وأعطاها المنظار وأمرها أن تظلّ مكانها لا تتحرك .. ولكي تسلّي نفسها أعطاها موبايله كي تجرب بعض الألعاب حتى يعود .
وانطلق أدهم نحو الباب ولمحه الحارس فقام مستنداً إلى عكازه ..
وبدأ النزال ..
٭ ٭ ٭
– (( برقية من ( موسكو ) يا سيادة المدير )) .
هكذا هتف مساعد مدير المخدرات قبل ان يدلف إلى حجرة مديره , فنهض هذا الأخير يلتقط منه الرسالة في لهفة , وقرأها سريعاً , وقال لمساعده :
– (ن–1) بدأ الاشتباك مع الإرهابيين .
– بس ده مش في الخطة يافندم , المفروض إنه يتسلل من غير ما حد يحسّ .
– يا سيدي مانت عارف (ن–1) مابيمشيش على أي خطة بنعملها , لازم يعدّل فيها .
– بس احنا لازم نساعده يافندم .
وهنا دوّن المدير رقماً في ورقة أمامه , ثم قال لمساعده :
– طب هاتلي تليفون مؤمّن , واتصلّي بالرقم ده .
ذهب المساعد لتنفيذ الأمر وسرح المدير بتفكيره ..
فهذه المكالمة من شأنها أن تقلب الموازين ..
كل الموازين ..
٭ ٭ ٭
يقول علماء التشريح ووظائف الأعضاء أن نسبة أن يتغلب رجل عادي على عجوز اعتاد تدخين الشيشة لا تتجاوز 2٪ أمّا بالنسبة لرجل خارق من طراز أدهم صبري فإن هذه النسبة ترتفع بالتاكيد .. وبالفعل ألقى أدهم سلاحه وقال للرجل :
– قاتلني كما يقاتل الرجال .
فاجابه الرجل في ثقة :
– بتقول ايه يابني ؟! معلش مش سامعك .
فكررها أدهم في غيظ :
– يا حاج , قاتلني كما يقاتل الرجاااااااااااااااااال .
فقال الرجل :
– طيب يابني .
بعد هذه الإجابـة القاطعة , انثنى جسـد أدهـم وانفرد , وطار في الهـواء عشـرة
أمتار – هي المسافة الفاصلة بينهما – قبل أن يوجّه ركلة محكمة إلى عكاز الرجل فسقط الرجل أرضاً وغاب عن الوعي .
استغل أدهم الفرصة وفتح الباب فواجهته فوّهات عشرة مدافع رشاشة مع صوت الزعيم :
– اقتلوووووووووووووه .
وابتسم الموت ..
٭ ٭ ٭
في اللحظة الأولى وبمجرد سماع أدهم لأمر قتله , مال بجسده إلى الخلف بحدّة حتى يتفادى الدفعة الأولى من الطلقات , ثم أمسك بمدفعي الرجلين القريبين منه , ودار بجسده في الهواء 4 دورات رأسيّة مطيحاً بالـ 8 مدافع الأخرى , وانطلق يركل الرجال ويلكمهم حتى افترش الرجال العشرة أرضيّة الوكر , وصوّب أدهم مدفعه إلى الزعيم الذي قال له :
– لا يا أدهم , مش هاتغلبني تاني .
فهرش أدهم رأسه مفكراً , وقال :
– هو أنا قاتلتك قبل كده ؟! مش فاكر , طب ورّيني سنانك .
أظهر الرجل أسنانه , فقال أدهم :
– ماهي سنانك سليمة أهِه , مافقدتش ثلاثة من أسنانك الأماميّة ولا ابتلعت سنّتين مع كلماتك , وكمان مناخيرك سليمة أهِه , ماتحولتش إلى كومة من اللحم المفري ولا حاجة .
فكشف الرجل عن بطنه , فرأى أدهم حروق عديدة وآثار شظايا , فسأل الرجل :
– ايه ده ؟!
– أصل أنا لما قاتلتك قبل كده حسيت بقنبلة تنفجر في بطني من لكماتك .
وهنا تذكّر أدهم تأثير لكماته على كل من قابله , وهمّ أن يبطل القنبلة لولا أن سمع صوت موبايله يشدو بالأغنية الجديدة لـ( وائل جسّار ) , ثم فُتح الباب الوكر ليدخل منه رجل يحمل مسدساً مصوّباً إلى رأس منى التي كانت لا تزال تستمع إلى الأغنية في بلاهة , فنظر أدهم إلى منى في حب وقال :
– وحشتيني يا حبيبتي .
فردّت منى :
– وانت كمان يا روحي .
وهنا قاطعهم الزعيم قائلاً :
– ايه يا عم انت وهيّ ؟! انتوا هاتحبّوا في بعض قدامي ؟!
وأمر رجاله أن يقيّدوا منى في كرسي خشبي , ثم قال لأدهم :
– أما انت بقى , فأنا مجهّزلك موتة روشة جداً , أنا هاربطك في القنبلة نفسها .
قالها ثم فتح صندوقاً صغيراً ليخرج منه قنبلة بريئة المظهر لا تختلف عن مسجل صوت صغير , وأخرج منها بعض الأسلاك , وفام بربط أدهم بها , وقال له :
– الأسلاك اللي أنا رابطك بيها دي من القنبلة نفسها , يعني أي محاولة لقطعها أو انتزاعها هاتنفجر فيك القنبلة على طول .
ثم ضبط المؤقت على دقيقة واحدة وانطلق مغادراً المكان , مع صوت ضحكاته المجلجلة المثيرة للتوتر ..
كل التوتر ..
٭ ٭ ٭
أجهشت منى بالبكاء بعد رحيل الزعيم , وقالت من وسط دموعها :
– أنا آسفة يا أدهم .
اغرورقت عينا أدهم بالدموع , وقال :
– ولا يهمك يا منى , أنا اتعودت على كده خلاص , بس انتي ايه اللي خلاكي تشغلي أغاني عالموبايل ؟!
– أصل أنا لما لقيت ( وائل جسار ) قلت لازم أسمعه واللي يحصل يحصل .
– طب حاولي تفكي نفسك طيب , ولا اعملي حاجة " 00:30 ".
سمعتــها منى , فأخــذت تحــاول , وتحــاول , حتى انقلــب بـها الكرســـي
فقد أدهم الأمل وأخذ يستمع إلى صوت المؤقت الرتيب في جزع
" 00:15"
" 00:14"
وهنا اقتحم المكان رجال مكتبنا في ( موسكو ) وتقدمهم الرائد نادر الذي قال لأدهم :
– احنا اتلقينا اتصال من سيادة مدير المخدرات وقال لنا....
قاطعه أدهم :
– يا عم انت هاتحكيلي قصة حياتك ؟! القنبلة شكلها قربت تنفجر , اتصرف .
مدّ الرائد نادر يده وهمّ بقطع الأسلاك , فصرخ أدهم :
– حااااااااسب , الأسلاك دي من القنبلة , وهاتنفجر لو قطعتها " 00:07 "
قالها واستدار حتى يُري القنبلة للرائد نادر فأخذ هذا الأخير يعبث بأزرار المؤقت في سرعة وتصببت حبـات العـرق علـى جبينه " 00:05 " ولكن بـلا فائدة ..ثم فتــح المؤقــت
فوجد بداخلـه بطـاريات عاديـــة " 00:02 " فانتزعها في لهفة ..
فتوقف المؤقت ..
وفقد الوعي ..
٭ ٭ ٭
حطت الطائرة الخاصة التابعة للمخدرات العامة في أرض مطار القاهرة الدولي , ونزل منها أدهم ومنى والرائد نادر قبل أن يستقبلهم مساعد مدير المخدرات وبصحبته مندوب من رياسة الجمهورية ( ولفيف من الأهل والأصحاب ) وهتف مساعد المدير في حرارة :
– عملتوها يا أبطال , عملتوها يا وحوش .
وقال مندوب الرياسة :
– ألف مبروك النجاح يا سيادة المقدم أدهم .
فغمغم أدهم قائلاً :
– رائد يافندم .
فقال مساعد مدير المخدرات :
– النهارده الصبح صدر أمر بترقيتك يا أدهم , ابسط يا عم , لأ وايه , جاتلنا برقية من المخدرات الروسية تشكرنا على حسن اختيار رجالنا .
وماهي إلا نصف ساعة إلا وكان الأبطال في حجرة مدير المخدرات وحولهم جميع الزملاء من الإدارة وكان أدهم يقول :
– ........المهم أنا ماخوفتش , واستنيت لغاية دافيد ما مشي وروحت لافف حوالين نفسي لفة مستحيلة فبقت القنبلة على بطني بدل ماهي كانت على ضهري .
نظر له الرائد نادر بغيظ ولكنه تجاهله وأكمل حديثه :
– ........وروحت بقى ايه .. روحت عامل في القنبلة شوية عمليات معقدة كده لغاية ما فكيتها واديتها لنادر و....
وهنا قاطعه قدري صائحاً في فخر :
– هو ده أدهم اللي أنا أعرفه ..
هو ده الرجل ..
رجل المستحيل ..
[ تمت بحمد الله ]